ألف كتاب وكتاب يحتاج الإنسان إلى قراءتها قبل الموت
محمد م. الأرناؤوط
يتأمل مجسّم كتاب في سيول (رويترز)
الحياة
ثار جدال أخيراً في الصحافة الألبانية حول إسماعيل كاداريه بعد أن وصفه الروائي الألباني بسنيك مصطفى بأنه «روائي عادي». فقد رد عليه كاتب متحمس لكاداريه بالقول إن كاداريه يكفيه أن يكون الألباني الوحيد الذي دخل في مختارات «ألف كتاب وكتاب يجب عليك قراءتها قبل الموت» التي صدرت أخيراً في الولايات المتحدة.
حفزتني هذه المعلومة على طلب هذا الكتاب الذي صدر عن دار نشر «يونيفرس»Universe في نيويورك في طبعته الأولى خلال 2006 ثم في طبعته الثانية في 2007.
وهذا الكتاب الضخم الذي يقارب الألف صفحة (960) نتاج جهد شارك فيه أكثر من مئة ناقد من أرجاء العالم، وقام الناقد بيتر بوكسل P.Boxall بدور «المحرر العام» له، وحفل الكتاب بصور ولوحات نادرة تزيد من قيمته المرجعية.
ولا شك في أن العنوان في حد ذاته يعكس مؤشراً وتحدياً في آن. فالعنوان يؤشر على عالم يقدر القراءة والمعرفة، ولا يزال يعتبر أن الكتاب هو أداة لا غنى عنها للوصول إلى المعرفة. فالعنوان يحمل تحدياً وسط هذا الانفجار المعرفي وتدفق آلاف العناوين يومياً، حيث يفترض أن الإنسان لا يزال في حاجة إلى كتب معينة ليقرأها قبل أن يموت بطمأنينة. ومن الملاحظ هنا أن هذه الكتب التي وصلت إلى ألف كتاب وكتاب هي في الأدب، وفي الرواية غالباً، وهي بذلك تعطي الرواية قيمة مطلقة لفهم ما يحدث وما يتغير في العالم وما بقي للإنسان أن يحلم به قبل أن يموت.
ولكن يبرز هنا السؤال أو الإشكال في الاختيار: كيف يمكن اختيار ألف كتاب وكتاب من ملايين الكتب عبر آلاف السنين، وبالتحديد من حياة ايسوب (توفي 560 ق.م) إلى بداية القرن الحادي والعشرين؟
الكتاب موجه بطبيعة الحال إلى العالم الانكلوفوني، وهو يعتمد في الاختيار على ما هو متوافر من طبعات للكتب في اللغة الإنكليزية. احتوت كل صفحة على عمودين، خصص كل عمود للتعريف بكتاب في حدود 300 كلمة. وفي حالات محدودة يكون هناك عمود للكتاب وغلاف الكتاب أو صورة المؤلف محل العمود الآخر، وفي حالات قليلة تخصص الصفحة المقابلة أيضاً لصورة أو لوحة عن الكتاب.
عبر 2600 سنة
الكتب المختارة من 2600 سنة تقريباً، من «حكايات ايسوب» إلى «لا تتركني أذهب أبداً» لليابانية كازو اشيغورو (مواليد 1954)، قسمت إلى خمسة أقسام حسب المراحل التاريخية حيث يشتمل القسم الأول الكتب المؤلفة حتى عام 1700، بينما يشمل القسم الثاني كتب القرن الثامن عشر، ويتضمن القسم الثالث كتب القرن التاسع عشر، ويغطى القسم الرابع كتب القرن العشرين، بينما ترك القسم الخامس والأخير لكتب القرن الحادي والعشرين.
ولا شك أن هناك الكثير من الملاحظات حول معايير الاختيار، فالعرب مثلاً لم يمثلوا في هذا العمل الضخم إلا بكتاب واحد هو «ألف ليلة وليلة»، بينما لدينا تمثيل لا بأس به لكتاب أميركا الجنوبية واليابان وجنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية. ولكن حتى في ما يتعلق بأوروبا الشرقية نرى معايير غير واضحة. فالصرب يمثلهم ايفو اندريتش بروايته المعروفة «جسر على نهر درينا» بينما نجد أن الكروات تمثلهم الكاتبة سلافنكا دراكوليتش على حساب قامة كبيرة مماثلة لآندريتش ألا وهي ميروسلاف كرليجا. وفي المقابل نجد أن الألبان يمثلهم إسماعيل كاداريه بكتابين («نيسان المكسور» و«أزهار آذار الباردة»). وحتى في حالة كاداريه فقد كان من الملاحظ بل من المدهش أن يمثل كاداريه بأعمال لا ترقى إلى روايته المعروفة التي شهرته في العالم (جنرال الجيش الميت).
وإذا عدنا إلى تمثيل العرب في هذا الكتاب فإنه من المثير للاستغراب (وربما الاستهجان) أن يقتصر تمثيلهم على كتاب «ألف ليلة وليلة»، وهو الكتاب الذي كان له دوره في رسم صور نمطية سلبية عن العرب في المخيلة الأوربية.
تغييب نجيب محفوظ
ومع تقديرنا لقيمة الكتاب بالنسبة إلى الأدب الشعبي الذي أبدعه في ظروف معينة فإن توقف «الإبداع» العربي عند «ألف ليلة وليلة» وتغييب الكتاب المعاصرين يطرح أكثر من سؤال. كان يمكن على الأقل أن يكون هنا نجيب محفوظ، الذي حاز على جائزة نوبل بالمعايير الأوروبية الغربية وأصبح كاتباً مقروءاً في العالم الانكلوفوني.
ولكن مقابل تغييب كاتب كنجيب محفوظ لدينا ما يمكن تسميته تلميع كاتب آخر كسلمان رشدي، الذي دخل هنا بسبعة كتب! ومع أن بعض روايات رشدي الأولى تتمتع بقيمة فنية شهرته في العالم (أطفال منتصف الليل، العار إلخ) ألا أن المساحة المعطاة لروايته «الآيات الشيطانية» بالذات (التي لا تتمتع بالقيمة الفنية لكتبه الأخرى) تلفت النظر أو تستفز القارئ. فقد وضع عمود للكتاب وعمود لغلاف الكتاب ووضعت في الصفحة المقابلة صورة لطفلة إيرانية محجبة بالسواد في جوار صورة كبيرة للخميني وهي تحمل لافتة كتب عليها «نحن مستعدون لقتل رشدي».
وإذا تجاوزنا رشدي لا نجد في هذه المختارات سوى حنيف قريشي البريطاني المولد ممثلاً بثلاثة كتب («بوذا» و«هدية غابرييل» و«علاقة حميمة») والكاتبة التركية أمينة أوزدامار مع روايتها «الحياة هي كارفان سراي» بينما نفتقد هنا أورهان باموك مثلاً.
ومع كل هذه الملاحظات، لا بد من القول إن هذا العمل قد لا يؤدي بالضرورة الى دفع القارئ إلى أن يقرأ كل ما اختير له قبل أن يموت، ولكنه قد يحرضه على أن يختار بعض ما ورد فيه على الأقل أو يستكمل بعض ما لم يقرأه. ولكن قيمة أو خطورة الكتاب قد تكمن في أنه يمكن أن يتحول إلى مؤسسة في المستقبل، كما هو الأمر مع جائزة نوبل، أي في أن تقدر قيمة الكاتب بكونه دخل في إطار هذا الكتاب سواء في الطبعة الأولى أو في الطبعات اللاحقة.المفيد في هذا الأمر أن يتم «تعريب» هذا المشروع، أي إعداد مشروع مماثل باختيار أفضل وطموح أعقل لعله يصل بالإنسان العربي الى أن يقرأ مئة كتاب وكتاب قبل أن يموت مبكراً (بالمقارنة مع غيره) آخذاً بعين الاعتبار الحالة التي هو فيها.